دبلجة الحضارة الغربية
بقلم : عاهد ناصرالدين / الخليل / فلسطين
عُرفت الدبلجة في مجال الإعلام كمصطلح تلفزيوني يستخدم عند القيام بتعريب إنتاجات تلفزيونية كالمسلسلات والأفلام والأفلام الوثائقية ,والكلمة أصلها فرنسي من كلمة "دوبلاج". والكلمة التي بدأ استخدامها بتسارع الآن بدلا عن كلمة دبلجة هي تعريب كأن نقول المسلسل المعرب، ولكن هذه الكلمة لا تصلح إن كانت عملية الدبلجة تستخدم لإضافة لغات أخرى. ولذلك بقيت كلمة د بلجة هي الكلمة العملية الأفضل.
وتتم الدبلجة في استديو مع وسائل لعرض المادة المصورة. ثم يقوم ممثلون مختارون لتأدية أصوات الشخصيات المصورة في الفيلم بأداء تمثيلي مطابق للصورة.
ودور الترجمة هنا في غاية الأهمية، إذ أن على المترجم اختيار عبارات تناسب طول الجمل التي ينطق بها الممثل الأجنبي, وباستخدام كلمات تطابق حركات الشفاه حتى يكون الأداء الصوتي مقنعا .
وفي هذا المجال الإعلامي والفني تتم هذه الدبلجة باستيراد كثير من المسلسلات الأجنبية إلى بلاد المسلمين لطرح الحضارة الغربية كما هي لضرب الإسلام والمسلمين خاصة الناحية الإجتماعية لنشر الحريات الرأسمالية ( الملكية , العقيدة ، الرأي ، الشخصية ) .
وبالنسبة إلى هذه الأفلام يمكن دبلجتها الى محكياتنا، حيث نعرف أن الدبلجة وإن كانت تُفقد العمل الأصلي رونقه وجزءاً من جودته، لكنها تظل أفضل من العدم- في نظرهم - لأنها تُحدث التأثير المطلوب ولو إلى حد معين .
ويكمن خطر هذه المسلسلات والأفلام أنها إعلام موجه للأمة الإسلامية
وتحقق كثيرا من الأهداف التي تروجها المسلسلات المدبلجة
بإظهار العلاقات غير الشرعية كالصداقة والخلوة بالمرأة الأجنبية والزنا والإختلاط المحرم وبيان الطراز الغربي في العيش الذي يفصل الدين عن الحياة فيصبح مألوفا عند المسلمين وأمرا مقبولا وعاديا لا شيء فيه ,ويمكن من خلاله تقبل الفكرة المرفوضة إذ أن الإنسان يكتسب سلوكه من الممارسة المستمرة والتعرض لمواقف حياتية مختلفة سواء عن طريق القول أو الفعل أو المشاهدة، وقد يتقبل الإنسان فكرةً ما - كان في السابق يرفضها- ويأتي تقبله هذا نتيجة تعرضه المستمر، وبمرور الوقت تقل عنده نسبة الرفض وبشكل تدريجي إلى أن تنتهي عند درجة القبول. ولو كان مخالفا لدينه وعقيدته .
وليست المسلسلات والأفلام الأجنبية المدبلجة يتم من خلالها تسويق الحضارة الغربية فحسب بل تجري عملية دبلجة الحضارة الغربية تماما كما هي في المسلسلات والأفلام الأجنبية .
وذلك عن طريق نقل الحضارة الغربية إلى بلاد المسلمين ليحملها المسلمون وليس بالضرورة أن يصبحوا منكرين لدينهم ولخالقهم - وهو أحد أصناف الكفر- والحضارة الغربية هي بمثابة المسلسل أو الفيلم والمسلمون هم الذين يقومون بدور التعريب أو الترجمة ويتحدثون كما يتحدث الغربيون ويتصرفون كما يتصرف الغربيون ويقومون بالدور بدلا عنهم .
فالحضارة لأي أمة عبارة عن مجموعة المفاهيم عن الحياة المنبثقة من الفكرة الكلية أو المبدأ الذي تحمله تلك الأمة. أي هي مجموعة المفاهيم التي لها وجهة نظر للحياة بشتى جوانبها وأشكالها .
وبناءاً على ذلك نقول الأمة الاشتراكية والأمة الرأسمالية والأمة الإسلامية. فالأمة الاشتراكية: هي أمة قائمة على مبدأ أو فكرة كلية وهي (لا إله والحياة مادة) وبناء على تلك الفكرة الكلية انبثق النظام الاشتراكي المتعلق بشتى النواحي والجوانب.
كذلك الأمة الرأسمالية: هي أمة قامت على أساس فكرة كلية وهي (فصل الدين عن الحياة) وبناء عليها قام النظام الرأسمالي المتعلق في الحكم والسياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والعلوم... .
وأيضا الأمة الإسلامية: هي أمة قامت على أساس مبدأ أو فكرة كلية وهي (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وقد انبثق منها النظام المعالج لجميع المشاكل والمنظم لعلاقات الإنسان مع نفسه ومع غيره ومع ربه. فهو نظام شامل للحكم من شورى واختيار و شامل للاقتصاد من توزيع الثروة وعدم الاحتكار وشامل في الاجتماع من علاقات الرجل بالمرأة واحترام الجار... وغير ذلك على شتى الأصعدة.
وبعد مراجعة ودراسة، وصلوا إلى أنّ قوة الإسلام و(المسلمين) تكمن في عقيدته وما ينبثق عنها من أفكار، ما دعاهم إلى إعادة النظر في خططهم وإلى تطويرها.
فكان لا بد وأن يقوم الغرب بعملية الدبلجة لتتولى الدول الكافرة، بأجهزتها الرسمية وعملائها من الحكام والمفكرين، مهمة الإجهاز على الإسلام، بالإجهاز على عقيدته، بصفتها عقيدة سياسية، ليُحلّوا محلّها عقيدة فصل الدين عن الحياة، فبدأوا بطرح وتبني أفكار تؤدي إلى ما ذهبوا إليه، كالقومية والاشتراكية والديمقراطية، والتعددية السياسية، وحقوق الإنسان، والحريات، وسياسات السوق، ثم طرحوا أفكاراً أخرى مصحوبة بأعمال، كالحوار بين الأديان والحضارات، ومقولة أبناء إبراهيم، ثم وصم الإسلام بالإرهاب والأصولية والتطرف. فكان لا بدّ أن نبيّن حقيقة هذه الطروحات وخطرها على الأمة الإسلامية، لتعي عليها، ولتقف الموقف الشرعي تجاهها، لا سيما وأنَّ إعادة الإسلام إلى الحياة، كمبدأ عالمي، وكنظامٍ سياسي، تحمله دولة الخلافة للناس كافّة، أمرٌ قد تأكد، ليس للمسلمين العاملين فحسب، بل وللأمة الإسلامية، ولأعداء الإسلام، الذين ما فتئوا يتآمرون على هذا الدين وعلى أهله .
والذي يقوم بهذا أيضا بعض المسلمين ممن انبهروا وانضبعوا بالحضارة الغربية لضرب المفاهيم الإسلامية وتركيز الحضارة الغربية لإبعاد المسلمين عن دينهم ولدوام السيطرة عليهم وإبقائهم تبعا للغرب .
وقد قام الكفار وأعوانهم بهذه الدبلجة ببث الأفكار الغربية الخبيثة منها :-
1-الحوار بين الأديان
وهي فكرة غربية خبيثة دخيلة ، لا أصل لها في الإسلام لأنها تدعو إلى إيجاد قواسم مشتركة بين الأديان ، بل تدعو إلى دين جديد ملفق ، يعتنقه المسلمون بـدلاً من الإسلام .
وكان من أهم توصيات المؤتمرات التي عقدت باسم الحوار بين الأديان والحضارات ، وبين الإسلام وأوروبـا ما يلي :
إيجاد معانٍ وأبعاد جديدة لكلمات الكفر والإلحاد والشرك ، والإيمان والإسلام والإعتدال والتطرف ، والأصولية ، بحيث لا تكون تلك الكلمات عامل تفرقة بين أصحاب الأديان .
إيجاد جوامع مشتركة في الأديان الثلاثة ، تشمل العقيدة والأخلاق ، والثقافة ، والتأكيد على المشترك الإيجابي بين الأديان والحضارات ، لأن جميع أهل الكتاب مؤمنون ، يعبدون الله .
بلورة ميثاق مشترك لحقوق الإنسان ، من أجل إحلال السلام والتعايش بين أصحاب الأديان ، وذلك بإزالة الإحساس بوجود حدود دموية بين الأديان ، وإزالة مفهوم العدو في ثقافات الشعوب وسياسة الدول ..
إعادة صياغة التاريخ ، ومناهج التعليم ، لتكون بعيدة عن الإثارة والأحقاد ، واعتبار التعليم الديني جزءاً من الدراسات الإنسانية الأساسية ، التي تهدف إلى تكوين شخصية منفتحة على الثقافات الإنسانية ، والمتفهمة للآخر ، ولذلك يجب استبعاد البحث في بعض العقائد والعبادات .
الإهتمام في بحث الموضوعات التالية ووضع مفاهيم موحدة لهـا : العدل ، والسلام ، والمرأة ، وحقوق الإنسان ، والديمقراطية ، وأخلاق العمل ، والتعدديـة ، والحرية ، والسلام العالمي ، والتعايش السلمي ، والإنفتاح الحضاري ، والمجتمع المدني ، وغيرها .
إن الهدف الأساسي الذي يسعى الرأسماليون لتحقيقه من الحوار بين الأديان والحضارات هو الحيلولة دون عودة الإسلام إلى الحياة كنظام ، لأنه يهدد مبدأهم وحضارتهم ، ويقضي على مصالحهم ونفوذهم .
وهناك أهداف فرعية منها صبغ العالم بصبغة الحضارة الرأسمالية ، وصياغة شخصية المسلم صياغة جديدة ، بحيث لا يجد غضاضة في ترك الواجب وفعل الحرام ، ثم إفساد الذوق الإسلامي لديه ، وقتل الحمية للإسلام في نفسه ، فلا يبغض الكفر والكافرين ، ولا يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر .
2- العولمة
فإن الدعوة إلى العولمة الثقافية لا تخرج في حقيقتها عن محاولة لتذويب الثقافات والحضارات وإلغاء الخصوصيات الحضارية لصالح حضارة الغالب .. وعالم المسلمين يعد أول المستهدفين .. ذلك أن الثقافة الإسلامية التي تشكل هوية الأمة ، لذلك فالاستهداف يتركز حول عقيدة الأمة الإسلامية ؛ لأن الدين ليس أمرا مفصولاً عن الثقافة .
والعولمة تعتمد على محورين أساسيين :
المحور الأول :
التجارة العالمية .
المحور الثاني :
الإعلام الذي يحمل الثقافة والفكر .
والعولمة التجارية يقصد بها ضمان تدفق رؤوس الأموال الغريبة إلى أسواق العالم ، وضمان تدفق المصالح المادية نحو دول القلب ، كما تقدم .. والعولمة الإعلامية يقصد بها إخضاع العالم لقيم العالم الغربي .
3- الوسطية
إنَّ مصطلح الوسطية أو الحل الوسط ، لم يظهر عند المسلمين إلا في العصر الحديث ، بعد سقوط الخلافة ، وقصد به الإعتدال وعدم التطرف ، وهو مصطلح دخيل ، في لفظة ومعناه ، مصدره الغرب والمبدأ الرأسمالي ، ذلك المبدأ الذي بنيت عقيدته على الحل الوسط ، الحل الذي نشأ نتيجة الصراع الدموي ، بين الكنيسة والملوك التابعين لها من جهة ، وبين المفكرين والفلاسفة الغربيين من جهة أخرى . الفريق الأول كان يرى أن الدين النصراني دين صالح لمعالجة جميع شؤون الحياة ، والفريق الثاني يرى أن هذا الدين غير صالح لذلك ، فهو سبب الظلم والتأخر ، فأنكروه وأنكروا صلاحيته ، واستعاضوا عنه بالعقل ، الذي هو – في رأيهم – قادر على وضع نظام صالح لتنظيم شؤون الحياة .
وبعد صراع مرير بين الفريقين ، اتفقوا على حل وسط ، وهو الإعتراف بالدين كعلاقة بين الإنسان والخالق ، على أن لا يكون لهذا الدين دخل في الحياة ، واتخذوا فكرة فصل الدين عن الحياة ، عقيدة لمبدئهم ، التي انبثق عنها النظام الرأسمالي ، الذي نهضوا على أساسه ، ثم حملوه إلى غيرهم من الناس بطريقة الإستعمار.
فتكون الوسطية أو الحل الوسط فكرة غريبة عن الإسلام ، يريد الغربيون ومن والاهم من المسلمين أن يلصقوها بالإسلام ، من أجل تسويقها للمسلمين باسم الإعتدال والتسامح ، والقصد منها هو حرفنا عن حدود الإسلام وأحكامه الفاصلة. ويتم تسويق الوسطية عبر الفضائيات وعلماء السلاطين
وبدل أن ينقد المسلمون فكرة الوسطية أو الحل الوسط ، ويبينوا خطأها وزيفها ، أخذوا بها ، وصاروا يدّعون أنها موجودة في الإسلام ، بل هو قائم عليها ، فهو بين الروحية والمادية ، وبين الفردية والجماعية ، وبين الواقعية والمثالية ، وبين الثبات والتغيير ، فلا غلو ولا تقصير ، ولا إفراط ولا تفريط ...
4- فكرة الإسلام المعتدل
سمعنا ونسمع عن فرية الإسلام المعتدل ( الإسلام الأمريكي) ، وسمعنا ونسمع عن دعمه من الغرب ووصف القائمين عليه بالأصدقاء والمعتدلين !!
ويبدو أن قادة الغرب قد أيقنوا بعودة الإسلام للحكم الحتمية ، نظراً لتوجه المسلمين نحو تطبيق الإسلام في معترك الحياة بإقامة الخلافة ؛ فعمدوا إلى خط آخر وهو تمييع هذا الإسلام ، من خلال طرح ما يسمى بالإسلام المعتدل .
ومن الممكن أن توصل دول الكفر هؤلاء (المعتدلين) إلى الحكم في أي لحظة ، ليكونوا سداً أمام عودة الإسلام
الحقيقي والخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة .
فما هي آلية التعامل مع أصحاب هذا المنهج الذي أصبح وبكل وضوح يطرح ما يميّع الإسلام ويقرّبه من الحضارة الغربية
الكافرة أي أن هذا المنهج أصبح عائقاً واضحاً أمام القائمين على النهضة في العالم الإسلامي اليوم
؟نعم ان الخلافة قائمه لا محالة و الغرب يدرك ذلك تماما ولا يستطيع ان يمنع وجودها لكنه يحاول تأخير قيامها فقط
يضع العقبات أمام قيامها لقد حاول في السابق أن ينشر فكره و يروج له زمن طويل و سقط فيه من سقط ثم حاول طمس حضارة الاسلام و تشويه صورتها وهاجم بعض أحكام الاستلام كالجهاد والخلافة وغيرها
.
ولكن من طبيعة الصراع بين الحق والباطل لا شك ان الباطل زاهق وها هو يزهق أمام أعينهم ولا يستطيعون أن يحركوا ساكنا فقد بان عوار حضارتهم وأصبحوا هم يأكلون آلهتهم التي ظلوا علها عاكفين.
فقد سقطت كل المبادئ و لم يبق إلا الإسلام , لذلك يريدون الآن أن يلبسوا الحق بالباطل بعد أن تلمست الأمة طريق النهضة .
ويستخدمون في ذلك أبناء الإسلام أفرادا وحركات كما استخدموا في السابق أبناء الإسلام ليروجوا لهم حضارتهم وأفكارهم فيخرج علينا من أبناء المسلمين مَن ينادى بالإسلام المعتدل الذي ترضى عنه أمريكا أو من ينادي بالإسلام الوسطي .
لذلك كله على المسلمين أن يعوا على هذه المؤامرات الفكرية الخبيثة ضدهم وضد دينهم ، وأن يبينوا الحكم الشرعي لكل أمرٍ مستندين على العقيدة الإسلامية وما انبثق عنها من أنظمة فقط .
وأن يرفضوا كل ما هو مناقض لعقيدتهم آت من الشرق أو الغرب فلا تطرف ولا اعتدال ولا وسطية ولا قومية ولا ديمقراطية ولا اشتراكية ولا......... بل هو التمسك بالإسلام وحده وبالأدلة الشرعية وحدها ، سواء منها المتعلقة بالمعالجات والسلوك الفردي أو المتعلقة بالطريقة وإقامة دولة الخلافة ، فإنها حبل النجاة للمسلمين من واقعهم السيئ ، قال تعالى :{ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } آل عمران(103)
وإننا اليوم بين خيارين إما السكوت والرضا على هؤلاء الحكام ومن والاهم وما يتبع ذلك من سقوط وهلاك وضياع للدين وسيطرة للكفار وإما التحرك والأخذ على أيدي هؤلاء والعمل لإعادة حكم الإسلام بإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية وما يتبع ذلك من عودتنا الأمة العظمى والدولة العظمى .
{وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}آل عمران (101)
منقول للفائدة الكبيرة